من خبث ابليس أنه طلب من الله تعالى فقال (فأنظرني الى يوم يبعثون) وردّ الله تعالى عليه إنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم). محور تفكير ابليس عندما دخل لآدم مدخلاً معيناً في الجنة (جنة الأرض كما عرضنا في حلقات سابقة) قال له جملة تبيّن مده فهمه لكُنه الانسان الذي يحب الدنيا ولا يريد الموت وليس له نصيب في الآخرة ويسمع كلام الشيطان. وطلب تبليس بيّن طبيعته ومحور تفكيره يريد أن يمر على مرحلة الموت (الى يوم يبعثون) زيّن لآدم عن طريق الخُلد فلما نسي آدم عصى (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) ولو بحث عن قوة الارادة لما عصى. قوة الارادة عند البشر ضعيفة هذه الأيام فلو وجِدَت الارادة لما كانت صلاتنا وصيامنا وحجنا على ما هي عليه اليوم. ونحن يجب أن نأخذ من حوار ابليس المعنى المفيد لنا. نحن نستعيذ بالله تعالى (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) عندما نريد أن نطرد الشيطان عنّا لأنه تعالى أعلم بحال الشيطان وحالنا والاستعاذة بالله تعالى معناها أنني أستعين بالقادر على الشيطان والذي يمكنه أن يتخلص منه. والرسول صلى الله عايه وسلم علّمنا الاستعاذة حتى عند الجُماع “اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا”.
سؤال: لماذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالستر عند العلاقة الزوجية وهل أن الملائكة تستحي من هذا الأمر؟
هذا الكلام له أصل في الواقع وسواء أفهمنا الحكمة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم او لم نفهمه فيجب علينا ان نطيعه ونسمع كلامه بدون جدال لأن الله تعالى قال عنه (ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى) (أفتمارونه على ما يرى) (ما كذب الفؤاد ما رأى) وهذه الرؤية ليست رؤية بصرية فقط. وكلمة (قُل) في القرآن الكريم دلالة على أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسالة كلٌ لا يتجزّأ عليك الطاعة العمياء تكن لك الجنة بإذن الله تعالى
سؤال: هناك العديد من المفكرين والكتّاب والمثقفين الذين يقولون أن القرآن يلغي العقل والتطور والمطلوب منا أن نكون كالأنعام نطيع بدون أن نُعمِل العقل فماذا تقول لهم؟
عندما شرحنا قوله تعالى (الله نور السموات والأرض) قلنا ان الله تعالى له نوران نور حسّي ونور مادي وقلنا أنه علينا كما نطفيء أنوارنا أمام نور الشمس فعلينا أن نطفيء كل المناهج أمام منهج الله تعالى فليس من البشر من يمكنه أن يضع منهجاً كمنهج الله تعالى. الكل يصلي بالفاتحة ولو أن الله تعالى ترك لكل منا أن يختار الصيغة المناسبة ليصلي بها فهل يمكن لأحدنا أن يأتي بصيغة أفضل من الفاتحة لقراءتها في الصلاة؟ بالطبع لا لأنه لو كان الأمر كذلك لجاء المثقف بنص منمق يختلف عن نص الأمي البسيط. الكل متساوي في الصلاة الأمي والمثقف والكاتب والجاهل يصلّون بصيغة واحدة ولكنهم يختلفون في الاخلاص والقلب والجِديّة. إعمال العقل يكون مع النص بالتدبر وإخراج المُراد منه ولازم المعنى والمعنى اللازم فإذا عجزنا عن فهم نقطة معينة نعمل بها على مُراد الله تعالى سواء فهمناها أو لم نفهمها بعقولنا البشرية القاصرة.
سؤال: في سورة الحجر وقوله تعالى عندما رفض ابليس السجود لآدم (فاخرج منها فإنك رجيم) على ماذا يعود الضمير في (منها)؟
القرين والانسان محلمة كبرى في وجه الارض
احتار المفسرون في هذه المسألة ونحن قلنا أنه عندما نريد أن نفسر كلمة علينا أن نقرأها في سياق الآيات التي قبلها وبعدها ونربط الضمائر . معنى كلمة رجيم هي من الرجم أي الملعون المطرود المحروم من رحمة الله تعالى وهذا جماع آراء المفسرين في كلمة رجيم. والهاء في منها تعود على كل واحدة من المعاني السابقة (ملعون، مطرود ومحروم من رحمة الله تعالى) وأنا أقول أن ابليس طُرِد من الرحمة لأنه كان سبباً في طرده من الجنة فالطرد من الرجمة يشمل كل المعاني التي اختلف فيها المفسرون. وآدم عليه السلام طُرِد من الجنة لكنه لم يُطرد من رحمة الله تعالى ولم يقل إخراج منها وإنما قال (اهبطوا واهبطا) وسبق أن قلنا أن هذا هبوط منزلة لا هبوط مكان تماماً كما جاء في قوله تعالى على لسان موسى لبني اسرائيل (اهبطوا مصر). فالأشمل في قوله (فاخرج منها) الطرد من الرحمة وهو يشمل الطرد من كل شيء: من معيّة الملائكة ومن الرحمة ومن الملآ الأعلى.
سؤال: بعدما عرف ابليس عقابه كله قال (رب بما أغويتني لأزينن لهم صراطك المستقيم) فكأنه ينفي التهمة عن نفسه وأنه تعرّض للإغواء؟
الشيطان يريد أن يثبت لله تعالى وهذه نقطة يجب أن نسلّم بها فطبيعة ابليس وطبيعة الملائكة وطبيعة البشر كلها من خلق الله تعالى لكن الذي يجب أن نفهمه أنه لمّا استثنى ابليس (لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلَصين) نفهم أن المخلَصين مستثنون رغماً عن الشيطان وليس تفضّلاًً منه. ولو قال تعالى (المخلِصين) لكانوا هم السبب في كونهم مخلصين لكن قوله تعالى مخلَصين تدل على أن الله تعالى هو الفاعل في اخلاصهم. ردّ الله تعالى عليه فقال (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) بفعل الله تعالى وإعمال منهم وهذا الكلام ليس لابليس سلطان على العباد وإنما على العبيد لأن عباد الله تعالى مستثنون لا تفضلاً من ابليس ولكن بأمر من الله تعالى. هم عملوا كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وتحولوا من العبيد الى العباد. المخلَصين: هذه القضية تحلّ قضية احترنا فيها وهي مسألة المشيئة والى من ترجع (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) منهم من قال يغفر لمن يشاء هو ان يغفر الله تعالى له وهذا رأي أحترمه لكن يجب أن ننتبه لقوله تعالى (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون الا أن يشاء الله) المشيئة لله تعالى أولاً ثم للناس فأنت لك مشيئة وإنما بفعل منك وفضل سابق من الله تعالى لا يمكن أن تكون المشيئة للبشر لأنه لا أحد يتمنى العذاب لنفسه فإذا فهمنا المشيئة أنها من الناس في (يغفر لمن يشاء) فكيف نفسّر (ويعذب من يشاء). وعلينا أن نقول دائماً “الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله” وهذا كلام أهل الجنة لأنهم علموا أنهم لم يدخلوا الجنة بعملهم (فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) فالحمد لله الذي هدانا في الدنيا للهداية فوفّقنا لأعمال تدخلنا الجنة فدخلنا. فالمخلَصين هم كذلك بفضل الله تعالى وفِعلهم.
القرين والانسان محلمة كبرى في وجه الارض
معنى القرين ودوره مع الانسان ووظيفته فى حياة كل مقرون
ورد ذكر القرين عدة مرات في القرآن الكريم فما معنى القرين وما دوره مع الانسان وما وظيفته؟
ورد ذكر القرين في سورة ق مرتين (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)) (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)) وقلنا في حلقة سابقة أن هذين القرينين مختلفين عن بعضهما البعض. وقبل أن نبدأ بالحديث عن القرين يجب أن ننزع من عقولنا كل الأفكار السيئة وأفكار الدجالين التي انتشرت بين الناس حول هذا الموضوع. وللقرين تعريف في اللغة وفي الشرع ونحن نشعر بهذا المعنى في حياتنا ونحن سنتكلم عن القرين من ضوء الكتاب والسنة الصحيحة. ففي القرآن الكريم تعريف للقرين وما يحدث بينه وبين الانسان وكذلك في الأحاديث الصحيحة عنه .
من هو القرين؟ وكيف يختلف عن الصاحب أو الخليل؟. إذا بحثنا في كتب اللغة نجد أن العلماء عرفوا القرين على أنه الصاحب أو الرفيق ولكن في اللغة العربية كل كلمة لها معنى خاص بها. الصاحب مثلاً أو الصديق يكون فيه بعض صفات مشتركة مع صاحبه أما الخليل فالصفات المشتركة تكون أكثر بين الشخصين مما بين الصاحبين أما القرين فيتطابق في الصفات مع قرينه. وعندما نذكر كلمة قرين يجب أن نفكر في وجود قرينين والرسول يفتح مجال التعريف بالقرين ففي الحديث عند أحمد ومسلم وله روايتان “ما من أحد إلا وكّل به قرين” ” ما من أحد إلا وُكل به قرينه من الجنّ وقرينه من الملائكة”. عندما يبلغ الانسان مرحلة البلوغ ومرحلة التكليف يكون له قرينان. وقوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس) تبين أن الانسان هو الذي يحدد الطريق ومن عدل الله تعالى أنه لما خلق الانسان بيّن له الفجور لاجتنابه والتقوى لاتباعه وقال تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) بمعنى يا ليته اقتحم العقبة وهذا توصيف مهم فالانسان مثلاً وهو جالس وحان وقت صلاة العشاء يشعر بأن أحداً ما يدفعك للقيام للصلاة وآخر يدفعك للتمهل وتأخير الصلاة بشتى الأعذار
وهذا هو التزيين فالانسان متنازع بين قرينين إضافة إلى أننا عندما نسمع حديث الرسول نفهم أننا نحن نحافظ على قريننا ويمكن أن نعيش ومعنا القرينين وفي لحظة يمكن أن تقارب أحدهما والآخر تبعده عنك ولا يجتمع الاثنان مع بعض. أحياناً تجد أن شخصاً ممن يصلي معك الصبح في المسجد باستمرار ثم تجده يغيب بعض الوقت ثم يعود في تلك الفترة التي غاب فيها يكون قرينه من الجن قد انتصر عليه فأبعده عن الصلاة في المسجد ثم انتصر هو عليه فعاد للصلاة في المسجد. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول كان عندها في ليلة ثم خرج فغارت عليه فخرجت في أثره ولما عاد وجدها في حالة الغيرة فسألها مالك يا عائشة أغِرتِ؟ قالت ومالي لا يغار مثلي على مثلك، فضحك وقال أقد جاءك شيطان؟ فقالت أوهي شيطان يا رسول الله؟ قال نعم قالت ومع كل انسان؟ قال نعم قالت ومعك يا رسول الله؟ قال نعم لكن الله أعانني عليه حتى أسلم. وفي الحديث الآخر: “ما من أحد إلا وُكّل به قرينه من الجن، قالوا وأنت يا رسول الله؟ قال وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”
القرين والانسان محلمة كبرى في وجه الارض
وإذا قارنا بين الحديثين لوجدنا أن أحدهما جاء بلفظ (حتى أسلم) والآخر (فأسلم) و (حتى) تدل على أن الرسول كابد معه وجاهد فأعانه الله تعالى عليه حتى أسلم. وفي الرواية اللأخرى (فأسلم) هذا القرين من الجن أسلم فصار يأمر الرسول بالخير فقريناه قرينا خير.
وقرين الجن يحاول أن ينزع الانسان من منطقة الخير ويضعه في منطقة الشر وأنا أحذّر المستمعين من قرين السوء من البشر لأن قرين الانسان السيئ يزيّن له السوء وجاء وصف هذا القرين في سورة الصافات (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51))
سؤال من المقدم: ماذا نفعل حتى نحيّد القرين ونمنعه من أن يخرجنا من منطقة الخير؟
علّمنا الرسول كيف نجتنب قرين الجن عندما ننام أو نخرج من البيت وعلينا أن نعرف كيف نمضي أيامنا والصلاة على مدار اليوم خمس مرات نافعة جداً وبعد صلاة العشاء (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) الانسان) أي لا ننام من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ولكن علينا الاستيقاظ لقيام الليل. الرسول أمّنا من القرين عند النوم في الحديث إذا آويت الى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة حتى تكون في معية الله تعالى والملائكة وتبعد عنك الجن ( ونذكر الحديث عن بلال رضي الله عنه عندما سأله الرسول أنه سمع دف نعليه في الجنة فقال ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين لله وهي ما يعرف بسنة الوضوء) وعندما يكون الانسان على وضوء فلا يقربه حتى قرين السوء من البشر. وعلمنا أن نقول قبل النوم: “اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة.
وعند الخروج من المنزل علمنا أن نقول: ” بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حسبنا الله ونعم الوكيل” يقال له هُديت ووُقيت وكفيت وتنحّى عنه الشيطان (أي القرين). وفي رواية الترمذي (يقول القرين للشياطين عندما يسألونه لماذا تنحى عن هذا الانسان : ما بالكم برجل هُديَ ووُقيَ وكُفيَ) وقال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار) فالمولى عز وجل موكل بك حافظ لكن أنت أحياناً تغلّب الشيطان عليه
سؤال من المقدم: هناك اختلاف في درجات الايمان واليقين بين الناس وهذا يسبب أن بعض هؤلاء يسخر من هذا الكلام عن القرناء والشياطين فما رأيكم في ذلك؟
هذا تعريف الله عز وجل لتوقيع الحادثة في سورة الزخرف (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)) سُئل الحسن البصري: أيهما أهون عليك (بمعنى أسهل) يا إمام شيطان الجن أو شيطان الانس؟ قال الامام بل شيطان الجن، قالوا كيف؟ قال: ان شيطان الجنّ إذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ينهزم أما شيطان الانس فهو أصعب لأنه يحتاج لأسلوب آخر للعلاج ولا ينهزم عندما نستعيذ بالله تعالى.
القرين والانسان محلمة كبرى في وجه الارض
كيف يؤثر القرين على مسلك الانسان وحياته واعماله؟
ان القرين كلمة لها تعريف يناسب الكلمة وتعريف مناسب لكل قرين. والقرين كتوصيف عام هو الملازم للانسن والمتطابق معه لا يتركه لحظة ولهذا فرّقنا بين القرين وبين الصاحب أو الصديق أو الخليل. وقلنا أن القرين هو الذي يتطابق مع الانسان في كل الصفات وإما أن يؤثر الانسان على قرينه أو القرين على الانسان وقد ظهر هذا في حديث الرسول الذي استعرضناه في الحلقة السابقة أن لكل مخلوق قرين من الجن حتى رسول الله إلا أن الله تبارك وتعالى أعانه عليه فأسلم وفي رواية السيدة عائشة رضي الله عنها (حتى أسلم).
يسأل المقدم مستطرداً هل القرين مسلم؟ يجيب الدكتور هداية أن الجن فيه المسلم وغير المسلم لكن لما نطلق كلمة الجن يذهب الذهن للشيطان. ابليس أخذ على نفسه عهد أمام الله تعالى بإغواء الناس بوجه عام واستثنى عباد الله المخلَصين (إلا عبادك منهم المخلصين). بعض الناس سلّم أن له قرين من الجنّ ويقول أنا مغصوب على أمري ولم ينتبه أن في الآية استثناء. وجاء الردّ من الله تعالى (هذا صراط علي مستقيم) وكلمة عبادي تدل على أن هناك عباد من العبيد لا يقوى عليهم الشيطان فهؤلاء هم الذين يأخذون قرينهم للاسلام ويجب أن نفهم كلام الرسول وقوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فما فعله الرسول مع قرينه يجب أن يكون أسوة لنا فإذا كان واجباً عليه وهو الرسول أن يجاهد قرينه فهو علينا أوجب وعلينا أن نجاهد ونكابد حتى ننتصر على القرين كما فعل الرسول كأسوة للمسامين جميعاً. فإذا كان موعد الآذان فالقرين سيحاول أن يقعدك عن الصلاة أو يؤخرك عنها وعليك أن تجاهده وتقول له (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) كذلك في الصيام وفي الصدقة يحاول القرين أن يقعدك عن هذه العمال الصالحة.
سؤال: كل مخلوق من البشر له قرين من الجن يوسوس بالشّر وقرين من الملائكة فهل كل انسان له قرين يناسب حاله فهل الفقير مثلاً قرينه مناسب له ومختلف عن قرين المثقف الغني؟
القرين يتطابق مع قرينه. القرين هو ما تنتهي الحالة إليه فإما تتطابق معه أو يتطابق معك فيجب أن يناسب كل انسان فلا يكون قرين الأميّ قرين مثقف. وكما قلنا فالتسمية للقرين تأتي في النهاية وليس في البداية فأنت وقرينك تجاهده فإما أن يكون في النهاية يتبعك أو تتبعه أنت وهذه هي حالة القرين. فالتسمية واقعة على ما ينتهي عليه الحال. عندما أغلب قريني مثلاً فلا يعني هذا أنه أسلم فقد أذهب للصلاة وأجاهد القرين الذي يحاول أن يقعدني عنها في المسجد لكن لا يدل هذا على أن هذا االقرين قد أسلم وإنما قد يوسوس لي في الصلاة وفي داخل المسجد. وإذا عدنا إلى آيات سورة الصافات التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة نجد أن الرجل الذي دخل الجنة تساءل مع أهل الجنة (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) وقلنا أنهم يتساءلون كيف أنقذوا من قوله تعالى (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) فقال قائل منهم (إني كان لي قرين) لا هو تطابق معه ولا القرين تطابق معه ولذا فالرجل في الجنة والقرين في النار وهذا يبين أنهم لم يتطابقوا ولم يتفقوا فيمكن أن يبقى الشخص على حاله والقرين على حاله ولم ينجح هذا الرجل أن يجعل قرينه يسلم كما حصل مع الرسول .
الآية في سورة الصافات تتحدث عن قرين الانس بدليل أن الحوار دار بين الاثنين فلم يقل له وسوسه وإنما قال (يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)) فهذا قرين البشر والزمن الحالي كثر فيه قرين الانس عن قرين الجن وقلنا سابقاً ما قاله الحسن البصري عن أن قرين الجن أهون وأسهل عليه من قرين الجن لأن قرين الجن ينهزم بالاستعاذة بالله تعالى أما قرين البشر فلا تنفع معه الاستعاذة وإنما يسهّل عمل قرين الجن..
والرسول . يقول “لا تصادق إلا تقيّ” حتى يعينك على قرين الجن.
سؤال: ما الفرق بين القرناء والكتبة ولماذا استعمل (له) في قوله تعالى (نقيّض له شيطاناً فهو له قرين) مع القرناء و(عليكم) مع الكتبة في قوله تعالى (وإن عليكم لحافظين)؟
القرين في الآية الأولى المفروض أن نعيش الآية حتى لا يقول أحدهم أنه مقيض لي القرين وليس بيدي حيلة ولا الذنب ذنبي لكن يجب أن ننتبه أن قوله تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين) قال تعالى (نقيّض) ولم يقل (قيضنا) بمعنى أن الذي يبعد عن ذكر الرحمن نقيض له فالتقييض ليس من عند الله ابتداء ولكنه نتيجة ابتعاد الناس عن ذكر الرحمن وهذا ما ابتدأ به الانسان أولاً والله تعالى يعطي على حسب الانسان (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) و(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) . ولو قال تعالى في الآية (قيّضنا) لدلّ ذلك على أن الانسان ليس له ذنب لكن نقيّض تدل على أن الذي يقع على الانسان إنما يقع عليه لأنه ابتعد عن ذكر الرحمن اولاً فهذه نتيجة شرطية. ولهذا قال تعالى (له) القرين هو له سيبقى معه وإما أن يتم عليه نعمة الله تعالى قيتوب تعالى عنه فيبتعد القرين عنه وإما أن يبقى معه ليوم القيامة (له) تفيد أنه له والتكليف جاء من ساعة ما خرج عن القاعدة. أما الآية الثانية (وإن عليكم لحافظين) هؤلاء الحفظة الكتبة ليس لهم علاقة بالناس وإنما هم يكتبون ويسجلون ما يفعله الناس فقط أما الأول أي القرين فهو يتدخل فيك وفي اعمالك (افعل ولا تفعل ويوسوس ويزيّن) وقوله تعالى في تتمة الآيات (يعلمون ما تفعلون إن الابرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم) هذا نتيجة الكتابة والملك يسجل عليك ما تقوم به بدون توصيف له لأنه (عليك) ولا يعلم بنيّتك أصادقة أم كاذبة هل ما تعمله فيه اخلاص النية أو فيه رياء وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) فالأعمال تكتب بواسطة قرين يسجل العمل فقط كما في قوله تعالى في سورة ق (قال قرينه هذا ما لدي عتيد) أي مهيّأ ومُعدّ وما فعله العبد سجله القرين هنا. أما (له) فلأن القرين يأمره بالسوء ويوجهه.
القرين والانسان محلمة كبرى في وجه الارض
ملاحظة
سؤال: في سورة الزخرف قال تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)) هناك من يجادل ويقول أن ما يفعله هو صحيح وأنه من باب التجديد والحضارة والمدنية فما دلالة كلمة يحسبون؟
العلمانيين ومن على شاكلتهم هم هؤلاء مصدودين عن السبيل عن طريق الشيطان المقيّض ويحسبون أنهم مهتدون بقولهم وشعاراتهم أنهم يريدون التحديث والتعديل وهذا من باب التزيين. وقال تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) يتهيأ لهم أنهم يحسنون صنعاً يوم القيامة ويكونون هم الأخسرون لأنهم لا يضعون أعمالهم على ميزان رسول الله ولكنهم يعملون بمبدأ الحداثة.
سؤال: في سورة الحجر الآيات مرتبطة بالقرين في البدايات الأولى عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا ابليس فما أصل القرين؟ ولماذا أُمِر ابليس بالسجود مع الملائكة؟ وأين قبيل الشيطان وذريته؟
قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون